مخاۏف من اندلاع حريق في سد أتاتورك

يسلّط الحديث في الآونة الأخيرة الضوء على خطړ محدق ېهدد سد أتاتورك، أكبر سد بنته تركيا على نهر الفرات، إثر مخاۏف من اندلاع حريق جراء موجة الحرّ الشديدة والجفاف غير المسبوق الذي اجتاح منطقتي جنوب تركيا وشمالي سوريا. يمتد السد على ضفاف مدينة أديامان التركية، وله دور محوري في توليد الكهرباء وريّ ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية. ومع تصاعد درجات الحرارة إلى مستويات قياسية هذا الصيف، ازدادت المخاۏف من احتراق النباتات والأخشاب المتراكمة حول السد، علاوة على احتمالية تضرر المعدات الكهربائية في محطات التوليد عن طريق ارتفاع درجات الحرارة. في هذا المقال نراجع الأسباب التي أدّت إلى إثارة هذا القلق، الظروف المحيطة بالسد، الإجراءات الاحترازية المتخذة، وتداعيات وقوع حريق فعلي على قطاعات الطاقة والزراعة والبيئة المحيطة.
خلفية عن سد أتاتورك وأهميته الاستراتيجية
يُعدّ سد أتاتورك إنجازًا هندسيًا تركيًا بامتياز، تأسّس في العام 1992 واكتمل بناؤه عام 2000. يقع على نهر الفرات في ولاية أديامان جنوب شرق تركيا، ويعتبر محورًا رئيسيًا في مشروع “جنوب شرق الأناضول” الذي يهدف لتعزيز الزراعة وتوليد الطاقة وتنمية البنية التحتية في المنطقة. تبلغ سعة السد التخزينية حوالي 48.7 مليار متر مكعب، ويُنتِج نحو 8.9 مليار كيلوواط ساعة من الكهرباء سنويًا عبر 8 توربينات كهرومائية.
إضافة إلى دوره في التوليد الكهربائي، يروِّي السد وحوضه الضخم مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في ولايات أديامان وشانلي أورفا وغازي عنتاب وديار بكر. وبالتالي، ينعكس أي خلل في عمليات السدّ أو محطاته بصورة مباشرة على الأمن الغذائي والأمن الطاقي في جنوب تركيا وشمالي سوريا أيضًا، نظرًا لاتصال مجرى نهر الفرات بالمناطق السورية الممتدة شمال حلب.
أسباب المخاۏف من اندلاع حريق
ترتبط المخاۏف الحالية بعدّة عوامل متزامنة:
موجة الحر والجفاف المتصاعدان
عانت تركيا هذا الصيف من درجات حرارة تجاوزت 50 درجة مئوية في بعض المدن القريبة من السد، فضلاً عن شحّ الأمطار وتراجع منسوب المياه في روافد نهر الفرات. أدّى ارتفاع الحرارة الشديد إلى جفاف الغطاء النباتي القريب من ضفتي السد، ما يزيد من احتمالية اشتعال الحرائق في المناطق المليئة بالأعشاب اليابسة والأشجار الصغيرة.
تراكم المواد القابلة للاشتعال
يتراكم حول حافة بحيرة السد كميات كبيرة من الحشائش والأخشاب العائمة التي جرفتها المياه خلال السنوات الماضية. جنوبي السد، تكثر أشجار البلوط والصنوبر الصغيرة والنباتات الشائكة، وفي فصل الصيف تتحول إلى مادة قابلة للاشتعال في حال توافرت شظايا معدنية أو شرارة بسيطة تنطلق من معدات صيانة أو قارب يمر بجانب السد.
ضعف التهوية وارتفاع درجات حرارة المعدات الكهربائية
في أقسام محطات التوليد الكهرومائية تحت هيكل السد، ترتفع درجات الحرارة داخل الغرف التي تحتوي على مولدات التوربينات والمحولات الكهربائية. إذا تجاوزت الحرارة الحدود الآمنة، قد يتسبب ذلك في شرارات كهربائية صغيرة قادرة على إشعال المواد القريبة من المعدات، خصوصًا مع قلة التهوية ونقص صيانة أجهزة التبريد.
قلة الموارد المائية المتاحة
يلعب انخفاض منسوب الماء دورًا مزدوجًا؛ فهو من جهة يقلل من طلائع تدفق المياه إلى المحطات لتبريد المحولات وتبديد حرارة معدات التوليد، ومن جهة أخرى يكشف مساحات جديدة من الأعشاب اليابسة حول ضفاف البحيرة، مما يسهّل انتشار النيران على مساحات أكبر قبل وصول فرق الإطفاء.
التداعيات المحتملة في حال اندلاع الحريق
تنعكس أضرار حريق محتمل في سد أتاتورك على عدّة جوانب حيوية:
قطاع الطاقة
إذا أصاب الحريق غرفة التوربينات أو محولات التوليد بتلف جزئي أو كامل، سيتوقف إنتاج الكهرباء من المحطة، ما يخفّض الطاقة الكهربائية المتوفرة للشبكة القومية. يُحتمل أن يخسر النظام الكهربائي التركي أكثر من 8.9 مليار كيلوواط ساعة سنويًا، وقد ترتفع كلفة استيراد الطاقة من الخارج للتعويض المؤقت.
قطاع الزراعة والري
يؤدي تعطّل السد وإغلاق منافذ التشغيل إلى انخفاض تدفق المياه من البحيرة إلى القنوات الرئيسية للري. هذا الأمر يهدّد مئات آلاف الهكتارات المزروعة بالقمح والشعير والقطن في فصل الخريف القادم، لا سيما مع تفاقم الجفاف. ويمكن أن يصل الجفاف الناجم عن توقف الري إلى نقصان كبير في انتاج الحبوب، وربما ارتفاع أسعار الغذاء محليًا.
البيئة والحياة البرية
عند اندلاع حريق في الغطاء النباتي المحيط بالسد، سيمتد دخان كثيف إلى السماء فوق بحيرة السد، ما يؤثر على جودة الهواء في مناطق بعيدة عدة كيلومترات. كذلك، قد تتضرر أعداد من الطيور المهاجرة التي تعبر المياه والغابات القريبة، بالإضافة إلى الثدييات الصغيرة والثعابين والسلاحف التي تعتمد على البحيرة والقطاع الغابي المحيط.
الأمن المائي والصحي
ينبع التأثير المائي في حال دَمَّر الحريق خطوط الأنابيب الفرعية أو حوّل مسارات مياه تغذية السد. يتسبّب هذا بانخفاض كميات المياه المخزنة وتداعيات سلبية على منسوب بحيرة السد. ويعاني الصيادون المحليون أيضًا، لأن الأكسجين القليل في المياه المتبخرة فوق السطوح الساخنة قد يؤدي إلى نفوق أسماك وفقد مواطن صيد تقليدية، ما يؤثر على معيشتهم.
الإجراءات الوقائية والاحترازية المتخذة
اتخذت السلطات التركية والحكومات المحلية سلسلة من الإجراءات لتفادي السيناريو الأسوأ:
رفع جاهزية فرق الإطفاء ومراقبة مستمرة
خصّصت دائرة الغابات والحماية المدنية التركية وحدات إطفاء جوية وبرية تنتشر حول حافة بحيرة السد والأراضي المحيطة بها. يتمتّع الطيران المسيّر بطائرات الهليكوبتر بطواقم مدربة على إلقاء المياه من الهواء فور رصد أي دخان أو شرارة. كما نشر عسكريون وفنيون من إدارة الركائز الأمنية دوريات جوية برادارات ليلية ترصد درجات الحرارة على الأسطح والأراضي القريبة.
إغلاق بعض مناطق الصيد والتخييم السياحية
أعلنت السلطات قرار إغلاق 30 كيلومترًا مربعًا من الضفاف الجنوبية والغربية للبحيرة أمام الرحلات الترفيهية والصيّادين حتى نهاية الصيف. ويهدف هذا الإجراء إلى تقليل احتمالية إلقاء النفايات والزيوت أو إشعال نيران الشواء قرب الأعشاب اليابسة، علاوة على تجنيب المواطنين خطړ اقترابهم من العمليات الاحترازية المضطردة.
تعزيز التهوية وتبريد المعدات
أكدت إدارة السد تعاونها مع مهندسين كهربائيين لتوسيع فتحات التهوية في محطات التوليد ولوضع مراوح تبريد إضافية، إضافةً إلى تجديد أنابيب المياه الموجهة لتخفيض حرارة المحولات. كما تمّ فحص جميع نقاط الاتصال الكهربائية وفصل الخطوط غير الضرورية لتقليل المخاطر الكهربائيّة.
توعية المزارعين والأهالي
أطلقت وزارة الزراعة وحماية البيئة حملة توعوية عن مخاطر إشعال الأعشاب اليابسة وعواقب الحريق، مع توزيع منشورات على القرى والبلدات المجاورة للسد. شملت الحملة شرحًا عن كيفية التواصل الفوري مع فرق الإطفاء والإبلاغ عن أي حريق صغير قبل أن يتفشّى.
آراء الخبراء والتوقعات المستقبلية
رأى عدد من الخبراء في جامعة حلب، بفضل انحدار مياه الفرات نحو سوريا، أن انقطاع الكهرباء الناجم عن توقف توليد السدّ قد يؤثر أيضًا على القطاع الصناعي في شمال سوريا، لا سيما مع محطات ضخّ المياه التي تعتمد على الكهرباء لنقل مياه الشرب للمدن. في المقابل، اعتبر مختصّون في مجال الموارد المائية أن التخزين الاحتياطي داخل البحيرة لا يزال عند مستويات مقبولة، لكنها تتضاءل بنحو 35% مقارنةً بالمتوسطات التاريخية.
يتوقّع خبراء الأرصاد الجوية أن يستمرّ الطقس الحار والجاف لأسابيع مقبلة، ما يزيد من ضرورة الحفاظ على اليقظة الدائمة لمنع أي حريق محتمل. وحذّر بعضهم من أن أي انخفاض كبير في منسوب المياه بعد نهاية أغسطس قد يدفع بمعلومات خاطئة حول مدى قدرة السد على تخزين كميات كافية لخريف الشتاء المقبل، خصوصًا مع استمرار تفشّي الجفاف.
لا يزال سد أتاتورك، هذا الصرح العملاق الذي يعدّ شريانًا حيويًا للطاقة والمياه والزراعة في جنوب شرق تركيا وشمالي سوريا، مهدَّدًا بخطړ اندلاع حريق بسبب موجة الحر والجفاف المشتدان. تبرز أهمية التنسيق الفوري بين السلطات المدنية والعسكرية والجهات البيئية والمزارعين لحماية هذه النقطة الاستراتيجية. إنَّ التزام الجميع بالإجراءات الوقائية، سواء على صعيد صيانة المحطات الكهربائية أو منع إشعال الأعشاب اليابسة، هو وحده القادر على تفادي مأساة حريق تهدد حياة آلاف الأشخاص وتهدّد الأمن الغذائي والطاقي في المنطقة بأسرها.